جهود فلسطينية لإنقاذها
مكتبة الجامع العمري بغزة .. مخطوطات تاريخية دمرها الاحتلال وجهود فلسطينية لإنقاذها
جهود فلسطينية لإنقاذها

لم تسلم الذاكرة التاريخية والثقافية للشعب الفلسطيني من عدوان الاحتلال الإسرائيلي الذي طال كل شيء في قطاع غزة، حتى الكتب التاريخية والمخطوطات التراثية التي تحتضنها مكتبة الجامع العمري الكبير في غزة والتي يعود تاريخها إلى مئات السنوات وتحكي نضال وثقافة وتاريخ الشعب الفلسطيني.
ويعكف فريق فلسطيني متخصص في الآثار على البحث وسط الركام لإنقاذ ما تبقى من مجموعة مخطوطات مكتبة الجامع العمري الكبير الذي يعد من أقدم المساجد وأعرقها في قطاع غزة وفلسطين، وذلك بعد تدمير الاحتلال للجامع، ما أدى إلى ضياع وتلف الكثير من المخطوطات، حيث تضم المكتبة الأثرية الآلاف من المخطوطات والوثائق والكتب النادرة التي يعود تاريخها إلى نحو 700 عام.
وفي نهار شهر رمضان، وخلال ارتياد الفلسطينيين ما تبقى من ساحات الجامع المدمر لأداء الصلاة على أنقاضه، وعلى مدار أيام عديدة، قام الفريق المؤلف من مجموعة من المهندسين والمختصين بالبحث واستخراج ما يمكن إنقاذه من تحت مقر دائرة المخطوطات والآثار التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية في مدينة غزة، والذي تم تدميره جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي للجامع العمري الكبير.
وحول مهمة الفريق، قالت حنين العمصي المدير التنفيذي لمؤسسة “عيون على التراث” المشرفة على مشروع إنقاذ مخطوطات غزة: “نقوم بعملية إنقاذ مجموعات مخطوطات مكتبة الجامع العمري الكبير، التي كانت موجودة في دائرة المخطوطات وقبة دار السعادة، إذ تعرضت للاستهداف أكثر من مرة خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”.
وأشارت إلى أن حالة المخطوطات يرثى لها، بسبب القصف المتكرر للمكان، حيث تم إنقاذ مجموعات هامة منها.
وأضافت أن هذه المخطوطات يعود تاريخها إلى ما بين 500 و700 عام، ومنها ما يعود إلى العصر المملوكي وإلى فترة الدولة العثمانية، وكان عددها قبل العدوان الإسرائيلي على غزة نحو 228 مخطوطة، لكن بعد القصف الاحتلال لدائرة المخطوطات ضاع الكثير منها تحت الأنقاض وتلف البعض الآخر، ولم يتمكن الفريق من إنقاذ سوى 123 مخطوطا.
وقالت العمصي إن دائرة المخطوطات تضم مجموعة من الأوراق المتفرقة (أوراق الدشت)، التي كان عددها قبل العدوان الإسرائيلي نحو 78 مجموعة، وتمكنت الفرق الفنية من إنقاذ 38 مجموعة منها فقط.
وأوضحت أن مكتبة الجامع العمري الكبير كانت تحتضن مخطوطات تشمل شتى أنواع المعرفة والعلوم قبل تدميرها من قبل الاحتلال، حيث تضم كتبا في علوم القرآن الكريم والطب والفلك والشعر والأدب والمواريث والعديد من المجموعات الفقهية.
وتعتبر مكتبة الجامع العمري الكبير في غزة، من أهم دور الكتب والمخطوطات في فلسطين، وهي تضاهي مكتبة المسجد الأقصى المبارك، ومكتبة أحمد باشا الجزار، وهي من أهم دور الكتب والمكتبات التي احتوت على ذخائر ونفائس التراث العربي الإسلامي في فلسطين.
وأكدت المدير التنفيذي لمؤسسة “عيون على التراث” على أهمية هذه الوثائق والذخائر النفيسة، باعتبارها الوجه التاريخي الذي يعبر عن الموروث الثقافي لمدينة غزة وهويتها العربية والإسلامية وخصوصيتها، نظرا لكونها تتعلق بفلسطين ومدينة غزة تحديدا، وتوضح طبيعة وماهية الحركة العلمية والثقافية في غزة وما حولها من المدن والقرى، كما تبين مساهمة علماء غزة في العلوم العربية والإسلامية، ومنها مؤلفات لعلماء المدينة.
وأشارت حنين العمصي إلى أن الفريق المتخصص المشرف على المشروع يقوم حاليا بـ”عملية إسعاف” للمخطوطات التي تم إنقاذها عبر تنفيذ مشروع خاص لها تموله مؤسسات دولية.
وأضافت: “نقوم بعملية ترميم عاجل لهذه المخطوطات، لأنها تعرضت للعفن والرطوبة العالية والأضرار بين الحرق والتمزيق، كما فقدنا عددا من الأوراق والمخطوطات، إذ كنا قبل العدوان نقوم بعملية ترميم أولي للمخطوطات التي كانت بحاجة إلى ترميم، أما الآن فكل المخطوطات تحتاج إلى عملية ترميم عاجل وإنقاذها”.
وأكدت حنين العمصي المدير التنفيذي لمؤسسة “عيون على التراث” المشرفة على مشروع إنقاذ مخطوطات غزة أن الفريق الفني المتخصص في الآثار سيقوم بإعادة الترميم والرقمنة للمخطوطات التاريخية التي تم انتشالها من تحت أنقاض مكتبة الجامع العمري الكبير في غزة، ليرى العالم ماذا فعل الاحتلال الإسرائيلي بالذاكرة الفلسطينية وتاريخ وتراث مدينة غزة.
وقالت العمصي، إن المخطوطات التاريخية النادرة التي تحتضنها المكتبة لم تسلم من عدوان الاحتلال، مطالبة الجهات الدولية المختصة بضرورة العمل على حماية التراث الثقافي في مدينة غزة.
من جانبه، أكد أحد أعضاء الفريق الفني المتخصص، أن الأهمية الخاصة لهذه المخطوطات دفعته إلى المخاطرة بحياته خلال العدوان الإسرائيلي وتحت عمليات القصف من أجل حمايتها والمساهمة في إنقاذ هذا التاريخ العريق الذي يعود إلى مئات السنين.
وأضاف خلال نقله بعض المخطوطات من أسفل الركام: “كنت أتوجه من مكان سكني شرقي مدينة غزة إلى الجامع العمري الكبير وسط المدينة تحت القصف وإطلاق النار، من أجل العمل على حماية المخطوطات التاريخية لإدراكي أهميتها، فهي تعبر عن الموروث الثقافي لنا كفلسطينيين، ونحن الآن نعمل على إنقاذ تلك المخطوطات وإعادة ترميمها بعد تدميرها من الاحتلال”.
وتابع: “مخطوطات الجامع العمري تحفظ حقنا التاريخي في مدينة غزة، والاحتلال يريد أن يمحو حقنا ويقضي على هويتنا الفلسطينية من خلال القيام بتدميرها، لكن أنّى له ذلك”.
بدوره، أكد المهندس محمود البلعاوي منسق مشاريع مركز إيوان لعمارة التراث التابع لكلية الهندسة بالجامعة الإسلامية في غزة، على أهمية إنقاذ التراث والتاريخ الفلسطيني المتمثل فيما تبقى من مخطوطات الجامع العمري الكبير التي أشرف فريق الخبراء على حفظها وتجميعها عقب العدوان الإسرائيلي على غزة.
وقال إن قيمة هذا الكنز التاريخي، تتمثل في أنه يتناول جميع أقسام المعرفة الدينية في علوم القرآن الكريم والفقه والسيرة والتصوف والحديث الشريف، مضيفا أن قيمة تلك المخطوطات لا تقتصر على بعدها الثقافي والتاريخي فحسب، بل إنها تلقي الضوء على ما كان يجري في غزة وما حولها من حركة وحياة علمية وثقافية، وتظهر بوضوح مساهمة ومشاركة علماء غزة في العلوم الإسلامية والعربية.
وكانت وزارة الثقافة الفلسطينية أكدت العام الماضي أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أدى إلى تدمير نحو 32 مؤسسة ثقافية كليا وجزئيا وتدمير 12 متحفا وتخريب حوالي 2100 ثوب قديم وقطع تطريز من المقتنيات الموجودة في المتاحف أو ضمن المجموعات الشخصية، بالإضافة إلى هدم نحو 195 مبنى تاريخيا يقع أغلبها في مدينة غزة، منها ما يستخدم كمراكز ثقافية ومؤسسات مجتمعية، إلى جانب تضرر 9 مواقع تراثية و10 مساجد وكنائس تاريخية تشكل جزءا من ذاكرة القطاع.
ودعت الوزارة المنظمات الدولية إلى حماية التراث الثقافي الفلسطيني في ظل ما يرتكبه الاحتلال من جرائم، وتنفيذ الآليات القانونية من أجل إلزام الاحتلال ببنود الاتفاقيات المتعلقة بحماية التراث الثقافي والطبيعي، مشيرة إلى أن استهداف المراكز الثقافية يعد انتهاكا مخزيا للقانون الدولي الإنساني، كما جددت مطالبتها لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” وغيرها من المنظمات ذات الصلة، بتشكيل لجنة أممية للكشف عن الانتهاكات القانونية والإنسانية التي طالت التراث الثقافي الفلسطيني، بوصفه جزءا من التراث الإنساني وتدميره وخسارته خسارة للإنسانية جمعاء.






